كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال جل وعز: {والخيل المسمومة والأنعام والحرث} الخيل المسمومة قال مجاهد الحسنة.
وقال سعيد بن جبير الراعية وقال أبو عبيدة والكسائي قد تكون مسموة المعلمة قال أبو جعفر قول مجاهد حسن من قولهم رجل وسيم وقول سعيد بن جبير لا يمتنع من قولهم سامت تسوم وأسمتها وسومتها أي رعيتها وقد تكون راعية حسانا معلمة لتعرف من غيرها وقال أبو زيد أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى والانعام الابل والبقر والغنم والحرث الزرع وقوله تعالى: {والله عنده حسن المآب} أي المرجع.
ثم قال عز وجل: {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة} وأزواج مطهرة أي من الادناس والحيض.
ثم قال تعالى: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} قيل الصابرون الصائمون ويقال في شهر رمضان شهر الصبر والصحيح ان الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي والقانتون لله المصلون والنفقون هذا المتصدقون.
ثم قال جل وعز: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} قال أبو عبيدة شهد معناه قضى أي أعلم قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وحقيقة هذا ان الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبنيه فقد دلنا الله عز وجل بما خلق وبين على وحدانيته وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله: {أنه لا إله إلا هو} وفي قوله سبحانه: {أن الدين عند الله الإسلام}.
قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير على هذه القراءة: {أن الدين عند الله الإسلام} بأنه لا إله إلا هو ثم حذفت الباء وأنشد سيبويه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب

المعنى أي امرتك بالخير قال الكسائي انصبهما جميعا بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله الإسلام ويكون أيضا بمعنى شهد الله أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام قال ابن كيسان ان الثانية بدل من الأولى لأن الإسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي {شهد الله أنه لا إله إلا هو}.
وقرأ {أن الدين عند الله الإسلام} والتقدير على هذه القرأة شهد الله أن الدين الإسلام ثم ابتدأ فقال أنه لا إله إلا هو وروي عن محارب ابن دثار عن عمه أبى المهلب أنه قرأ وكان قارئا {شهداء لله} وقوله تعالى: {قائما بالقسط} يعني بالعدل.
ثم قال جل وعز: {أن الدين عند الله الإسلام} الإسلام في اللغة الخضوع والانقياد ومنه استسلم الرجل فمعنى اسلم خضع وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان».
وقوله عز وجل: {ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} في الآية قولان أحدهما ان المعنى ان الحساب قريب كما قال تعالى: {وما امر الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب} والقول الاخر ان محاسبته سريعة لأنه عالم بما عمل عباده لا يحتاج ان يفكر في شيء منه.
وقوله عز وجل: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} أمره الله ان يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به لانهم مقرون بأن إله عز وجل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده ومعنى أسلمت وجهي لله أسلمت نفسي لله كما قال تعالى: {ويبقى وجه ربك} أي ويبقى ربك..
وقوله عز وجل: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين} الذين أوتوا الكتاب اليهود والانصاري ثم والاميون مشركو العرب كأنهم نسبوا إلى الام لانهم بمنزلة المولود في انهم لا يكتبون وقيل هم منسبون إلى أم القرى وهي مكة.
وقوله عز وجل: {أأسلمتم} قيل معناه أسلموا وحقيقته أنه على التهديد كما تقول للرجل أأفلت رسول مني.
ثم قال تعالى: {فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ} ونسخ هذا بالأمر بالقتال ثم قال تعالى: {والله بصير بالعباد} أي بصير بما يقطع عذرهم.
وقوله عز وجل: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} قال معقل بن أبى مسكين كانت الانبياء صلوات الله عليهم تجئ إلى بني إسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط أي بالعدل فيقتلون فان قال قائل الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبيا فالجواب عن هذا انهم رضوا فعل من قتل فكانوا بمنزلته وأيضا فإنهم قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهموا بقتلهم كما قال عز وجل: {وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك}.
ثم قال الله عز وجل: {الم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} أي حظا وافرا يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ليحكم بينهم والقراءة الأولى أحسن كقوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق.
وقوله عز وجل: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} روي أنهم قالوا انما نعذب اربعين يوما وهي الايام التي عبد فيها آباونا العجل فأخبر الله عز وجل ان هذا افتراء منهم وكذب فقال تعالى وغرهم قي دينهم ما كانوا يفترون أي يختلفون من الكذب كأنهم يسوون ما لم يكن من فريت الشيء قال زهير:
ولانت تفري ما خلقت ** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

وقوله عز وجل: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} في الكلام حذف والمعنى فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه أبي لاشك فيه أنه كائن.
وقوله عز وجل: {قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} قيل الملك هاهنا النبوة وقيل هو المال والعبيد وقيل هو الغلبة وقال قتادة بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل ان يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
ومعنى تؤتى الملك من تشاء أي من تشاء ان توتيه ولا وتنزع الملك ممن تشاء أي ممن تشاء ان تزعه منه ثم حذف هذا وأنشد سيبويه:
الأهل لهذا الدهر من متعلعل لم ** على الناس مهما شاء بالناس يفعل

قال أبو اسحاق المعنى مهما شاء ان يفعل بالناس يفعل.
وقوله عز وجل: {وتعز من تشاء وتذل من تشاء} يقال عز إذا غلب وذل يذل ذلا إذا غلب وقهر قال طرفة:
بطئ على الجلى سريع إلى الخنا ** ذليل بأجماع الرجال ملهد

وقوله عز وجل: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال عبد الله ابن مسعود هو قصره في الشتاء والصيف فالمعنى على هذا تنقص من الليل وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار وتدخل النقصان في الليل يقال ولج يلج ولوجا حدثنا ولجة إذا دخل قال الراجز:
متخذا في ضعوات ابن تولجا

وقوله عز وجل: {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} قال سلمان أي تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن قال عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم تخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي وتخرج الرجل وهو حي من النطفة وهي ميتة.
ثم قال تعالى: {وترزق من تشاء بغير حساب} أي يغير تضيق ولا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب كانه لا يحسب ما يعطي.
وقوله عز وجل: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} أي لا يتولوهم في الدنيا لأن المنافقين اظهروا الإيمان وعاضدوا قوله الكفار فقال الله عز وجل ومن يتولهم منكم فانه منهم وقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة.
قال ابن عباس هو ان يتكلم بلسانه ولا يقتل ولا ياتي إنما ويكون قلبه مطمئنا بالإيمان وقرأ جابر بن زيد ومجاهد وحميد والضحاك الا ان تتقوا منهم تقية وقال الضحاك التقية باللسان والمعنى عند اكثر أهل اللغة واحد.
وروى عوف عن الحسن قال التقية جائزة للمسلم إلى يوم القيامة غير أنه لا يجعل في القتل تقية ومعنى فليس من الله شيء فليس من حزب الله وحكى سيبويه هو منى فرسخين أي من أصحابي ومعنى من دون المؤمنين من مكان دون مكان المؤمنين وهو مكان الكافرين.
{ويحذركم الله نفسه والله رؤوف له بالعباد} أي يحذركم إياه.
وقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} والمحبة في كلام العرب على ضروب منها الحبة في الذات والمحبة من الله لعباده المغفرة والرحمة والثناء عليها والمحبة من عباده له القصد لطاعته والرضا لشرائعه.
وقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} المعنى لا يحبهم ثم أعاد الذكر وكذلك فان الله ولم يقل فانه والعرب إذا عظمت الشيء أعادت ذكره وانشد سيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

وقوله عز وجل: {ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين} قال أهل التفسير المعنى على عالم أهل زمانهم ومعنى اصطفى اختار وهذا تمثيل لأن الشيء الصافي هو النقي من الكدر فصفوة الله عز وجل هم الانقياء ذلك من الدنس ذوو الخير والفضل.
وقوله عز وجل: {إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا} روى حفيص عن مجاهد وعكرمة ات المحرر الخالص لله عز وجل لا يشوبه شيء من امر الدنيا وهذا معروف في اللغة ان يقال لكل ما خلص حر ومحرر بمعناه قال ذو الرمة:
والقرط في حرة الذفرى معلقة ** تباعد الحبل منه فهو يضطرب

وقوله عز وجل: {فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى} قال ابن عباس انما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر الا الذكور فقبل الله مريم.
ثم قال تعالى: {والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} في الكلام تقديم وتأخير والمعنى قالت ربي اني وضعتها انثى ولبس الذكر كالانثى فقال الله عز وجل والله اعلم بما وضعت وقرأ أبو الرجاء وابراهيم النخعي وعاصم والله اعلم بما وضعت فعلى هذه القراءة ليس في الكلام تقديم ولا تأخير.
وقوله تعالى: {وكفلها زكريا} قال قتادة كانت مريم بنت عمران امامهم وسيدهم فقارعوا عليها سهامهم فخرج سهم زكريا فكفلها أي ضمها إليه وفي الحديث كافل اليتيم له كذا وقال الحسن قبلها وتحملها وقال أبو عبيدة معنى كفلها ضمها أو ضمن القيام بها.
وقوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} المحراب في اللغة المكان العالي ويستعمل لأشرف المواضع وان لم يكن عاليا الا أنه روي ان زكريا كان يصعد إليها بسلم. ومعنى وجد عندها رزقا على قول مجاهد وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء.
وقوله تعالى: {قال يا مريم أنى لك هذا} قال أبو عبيدة المعنى من اين لك وهذا القول فيه تساهل لأن أين سؤال عن المواضع وأنى سؤال عن المذاهب والجهات والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا وقد فرق الكميت بينهما فقال:
أنى ومن أين آبك الطرب ** من حيث لاصبوة ولا ريب

قالت هو من عند الله من قبل الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير.
وقوله تعالى: {فنادته الملائكة} روي أن جبريل صلى الله عليه وسلم هو الذي ناده وحده وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول ركب فلان السفن وانما ركب سفينة واحدة أي ركب هذا الجنس.
وقوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله} قال ابن عباس صدق بعيسى وقال الضحاك بشر بعيسى ومعنى بشرته أظهرت في بشرته السرور.
فان قيل فما تسميه عيسى بالكلمة ففي هذا اقوال أحدهما أنه لما قال الله عز وجل كن فكان سماه بالكلمة فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى: {واسأل القرية} وقيل سمي بهذا كما يقال عبد الله وألقاها على اللفظ وقيل لما كانت الانبياء قد بشرت به وأعلمت أنه يكون من غير فحل وبشر الله مريم به كما قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا فلما ولدته على الصفة التي وصف بها.
قال الله عز وجل: هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشيء أو تعده به فإذا كان قلت هذا مولي وهذا كلامي والعرب تسمي الكلام الكثير والكلمة الواحدة كلمة كما روي ان الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته تلك يعني قصيدته وقيل سمي كلمة لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة.
وقوله تعالى: {وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} قال سعيد بن جبير والضحاك السيد الحليم.
وقيل الرئيس وروى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب أنه قرأ: {وسيدا وحصورا} فأخذ من الأرض شيئا ثم قال الحصور الذي لا يأتي النساء. يقال حصر إذا منع ف حصور بمعنى محصور وكانه منع مما يكون في الرجال وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة قال الشاعر:
فيها اثنثان محمد وأربعون حلوبة ** سواد كخافيه إلى الغراب الأسحم

ويقال حصرت الرجل إذا حسبته واحصر كان المرض إذا منعه من السير والحصير من هذا سمي لأن بعضة حبس على بعض وقيل هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل.
وقال ابن عباس الذي لا ينزل.
وقوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرا} يقال كيف استنكر هذا وهو نبي يعلم ان الله يفعل ما يريد ففي هذا جوابان احدهما ان المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله وكذلك قيل في قول مريم: {أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} والجواب الاخر ان زكريا أراد ان يعلم هل يرد شابا وهل ترد امراته وهل يرزقهما الله ولدا من غير رد أو من غيرها فأعلم الله عز وجل أنه يرزقهما ولدا من غير رد فقال عز وجل: {كذلك يفعل الله ما يشاء} ويقال عقرت المرأة إذا لم تحمل وعقر الرجل إذا لم يولد له والذكر والانثى عاقر.
وقوله تعالى: {قال رب اجعل لي آية} أي علامة قال آيتك ان تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا قال قتادة انما عوقب بهذا لأنه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة اياه بالبشارة وقال مجاهد الرمز تحرك الشفتين وقال الضحاك الرمز تحريك اليدين والرأس.
والرمز في اللغة الاشارة كانت بيد أو راس أو حاجب أو فم يقال رمز أي اشار ومنه سميت الفاجرة رامزة أبو ورمازة أو لانها تومئ ولا تعلن.
ثم قال تعالى: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} وقرئ: {الأبكار} وهو جمع بكر ويقال بكر وبكر وابتكار وأبكر إذا جاء في اول الوقت ومنه سميت الباكورة ويقال ابكر إذا خرج من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى والعشي من حين نزول الشمس إلى ان تغيب وهو معنى قول مجاهد.
وقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك} أي اختارك وطهرك من الادناس وقيل من الحيض واصطفاك على نساء العالمين فيه قولان أحدهما ان المعنى على أهل زمانها والقول الاخر على جميع النساء بعيسى فليس مولود ولد من غير ذكر الا عيسى عليه السلام.